Quantcast
Channel: тнє ѕυℓтαη'ѕ ѕєαℓ
Viewing all articles
Browse latest Browse all 608

تدوينة “ابن الوسخة الدون”: تأملات في الشخصية المصرية

$
0
0

wpid-p1020537-2013-02-19-18-00.jpg



ابن الوسخة الدون ده أول نوع من أنواع ولاد الوسخة. ورغم إن كلمة “دون” ممكن تكون قديمة حبتين، أعتقد إنها مَسَبّة مهمة جداً لإن فيها فكرة الدونية. (هي طبعاً ليها مرادفات: واطي، مثلاً، أو ناقص؛ أو حتى خسيس ورمة. بس مش نفس الرمة. أقصد يعني إن ولا مرادف من المرادفات دي بنفس دقة كلمة “دون” في حد ذاتها.) لإن فكرة الدونية أو عقدة النقص هي اللي بتتحكم تقريباً في كل حاجة في مصر، وده بيوصّل لإنها ما بقتش عقدة قد ما بقت طريقة حياة



إن البنيآدم يبقى حاسس إنه زبالة، إنه قلوط مهما حصل. وحتى الحاجة الحلوة لما تحصل لي تبقى صدفة أو غلطة لإني ما أستاهلهاش؛ أنا بطبيعتي زبالة: هي دي في الحقيقة الحكمة أو المقولة أو يعني القاعدة اللي المصريين ماشيين عليها بشكل عام، والاعتراف بيها في اعتقادي خطوة ضرورية في اتجاه تغييرها. لو ما تغيرتش مش حنوصل لحاجة ولا بمية من أبو ثورة اللي شفناه وحنشوفه… بس دي قصة تانية



أنا قصدي إن المصريين حاسين إنهم قلاليط. ويمكن عشان كده تلاقيهم بيبالغوا قوي في التعبير عن اعتزازهم بنفسهم وحبهم للوطن اللي هما بيكرهوه. لإن الوطن وكل اللي بيكرهوه في الوطن بيفكرهم ويأكدلهم إنهم ناس دون. ولما ابن الوسخة الدون يلاقي حاجة بتفكّره إنه دون مش بس بيتعرف على نفسه في الحاجة دي لأ، ده كمان تلاقيه بيقول عليها حاجة راقية وجميلة وفاتك نص عمرك ياللي ما شفت مش عارف إيه. ليه؟ عشان لو ما عملش كده حيبقى مضطر يعمل حاجة من اتنين: يا إما يغير نفسه وإحساسه بنفسه اللي هي مسألة في غاية الصعوبة، يا إما يعترف إنه ابن وسخة دون، وبكده يبقى طيزه عريانة ويبقى مرعوب من اللي جاي؛ عشان أول ما يعترف إنه دون مش حيبقى دون، وهو ما عندوش أي فكرة اللي مش دون ده ممكن يشوف الدنيا إزاي ولا يعمل بروحه إيه.

خليني أقول بالمناسبة، قبل ما أكمل كلامي يعني، إنه طبيعي كل واحد منا يلاقي جواه ولاد وسخة من أنواع مختلفة بدرجات مختلفة لإننا اتكوّنا هنا – الفرق يمكن في إن ولاد الوسخة اللي هما ولاد وسخة فعلاً ما بيبقاش جواهم حد تاني غير ابن الوسخة ذات نفسه – وأكتر ابن وسخة حنلاقيه جوانا كلنا وبأعلى درجات محتملة هو ابن الوسخة الدون

إيه بقى مواصفات المخلوق ده؟

هنا يحضرني كلام شاعر صديق طول عمره طلعان ميتينه من الأوساط الأدبية وبيشتغل دلوقتي صحفي في الخليج. الراجل ده موهوب فعلاً، وصادق في كلامه لإن عنده إحساس دائم بأهمية الصدق. يحضرني إنه مرة كتب على الفيسبوك يقول: عند متسوى معين من الانهيار لا يعتبر الناس أنفسهم أوساخاً لأنهم يرتكبون حقارات، بل هم يرتكبون الحقارات من شدة إيمانهم بأنهم أوساخ



شوف يا أخي عبقرية الصياغة! وده بجد على فكرة: المشكلة الأساسية في ابن الوسخة الدون إن هو حاسس إنه ابن وسخة، والإحساس ده عميق ومتجذر بطريقة مش مخلياه حتى يتصرف زي البنيآدم اللي كان يفضّل يكونه حتى لو هو عايز يعمل كده، ولا مخلياه يواجه نفسه بحقيقة دوافعه اللي هي ببساطة شديدة إنه ابن وسخة دون

لما توفيق عكاشة مثلاً بيقول إنه زيه زي البرادعي وأحسن منه كمان، هو مش بيقول كده عشان هو فعلاً شايف حاجة بيتنافس عليها مع البرادعي (يعني هو ما لقاش حاجة يتفوق فيها غير طريقة تزغيط الوز وسعر البارك بتاع البقرة، وهو أكيد مهما كان غبي واخد باله قد إيه الحاجات دي مش بس تافهة وبرة الموضوع إنما كمان بتأكد فكرة واحدة بس: إن هو ابن وسخة دون). توفيق عكاشة بيقول كده في الحقيقة عشان هو عارف إنه ابن وسخة دون، ووجود البرادعي في الحياة بيخليه برضه عارف إن الناس بتبص للبرادعي وترجع تبصله فتعرف إن هو واطي وزبالة وما لوش أي تلاتة لازمة. توفيق عكاشة فعلاً عارف ده عن نفسه حتى لو عمره ما يقدر يعترف بيه

ودي أهم صفة في ابن الوسخة الدون: إنه عارف نفسه، وعارف إن الناس عارفاه.

تاني صفة بقى ممكن التعبير عنها يختلف من واحد للتاني: ممكن تاخد شكل الفشر والنعر ومديح الذات المتواصل، وممكن تاخد شكل التريقة الدايمة والسخرية من كل حد وكل حاجة. كمان ممكن تاخد شكل إنك تقول عكس اللي مفروض تقوله في كل مناسبة عشان الناس يتهيألها إنك متميز أو مختلف، أو إنك تبقى عدواني مع اللي بتتكلم معاهم وكإنك عارف اللي هو مش عارفه وزهقان من جهله. ممكن تاخد أشكال كتير، لكن هي دايماً تعبير عن نفس الاحتياج لإن الناس تلتفتلك وتحس بوجودك. وسواء إنت عارف ده أو مش عارفه – كونك ابن وسخة دون – كل اللي إنت بتعمله عشان الناس تلتفتلك بيخلي الناس تقرف منك وتبقى مبضونة من حضورك اللي إنت فرضته عليها، زي بالظبط ما القلوط المرمي تحت الكوبري بيطلع ريحة تخليك تعرف إنه موجود… ما حدش ممكن يتجاهل الخرا، بس كل الناس تفضّل لا تشوف الخرا ولا تشمه

تالت صفة ودي آخر حاجة حأقولها النهارده: ابن الوسخة الدون وجوده معتمد على وجود حد أحسن منه، زي ما العالم التالت تالت على اعتبار إن فيه عالم أول وعالم تاني. لو ما كانش فيه في الدنيا غير ابن الوسخة ده، ما كانش حيبقى ابن وسخة

ولا دون



Viewing all articles
Browse latest Browse all 608

Trending Articles